موسيقى "لمحة" إحدى 15 مقطوعة موسيقية من تأليف محمد عفيفي، اتسم معظمها بالاتجاه للتحديث، قدمت عبر إذاعة الإسكندرية، لكنه ألف موسيقات على القوالب القديمة أيضا مثل "سماعي هزام". لم يكن للإذاعة فرقة رسمية باسمها لكن كان لديها أكثر من فرقة تتعامل معها وتسمى باسم قائدها مثل إبراهيم عبد الله، محمد داود، عبد المنعم فرج وغيرهم. ولكنها كانت جميعا تسمى باسم الإذاعة حين تقدم أعمالا من إنتاجها.
كانت إذاعة القاهرة تذيع "مختارات" من إذاعة الإسكندرية في برنامج أسبوعي، كان لمؤلفات محمد عفيفي منه نصيب كبير. وكان المايسترو محمد حسن الشجاعي قائد أوركسترا الإذاعة يختار تلك المؤلفات والألحان بنفسه، وكان يتولى إدارة الموسيقي والغناء في إذاعة القاهرة ورئاسة لجنة الاستماع في الخمسينات بعد أن عمل في فرقة موسيقى الجيش وأوركسترا القصر الملكي. عاصر الشجاعي سيد درويش وقام بقيادة الأوركسترا عندما أعادت الإذاعة تقديم أوبريتاته وكان معروفا بحرصه على الذوق الفني. وعندما كانت إذاعة الإسكندرية تطلب "مختارات" مقابلة من إذاعة القاهرة، كان يرفض طلبها بجملة قصيرة قائلا "عندكم عفيفي".
تتألف موسيقى "لمحة"، مقام "نهاوند" أو "دو مينير"، من مقدمة وثلاث حركات من نفس المقام مع تحول في الحركة الثالثة إلى مقام "نوا أثر" وهو فرع من النهاوند، وإلى مقام صبا زمزمة الشبيه بالصبا لكن دون استخدام ربع التون. في الحركة الثالثة أيضا هناك تحول إيقاعي من الإيقاع الثنائي "فوكس" إلى الدارج الثلاثي في نهاية الحركة قبل العودة إلى أنغام المقدمة في ختام المقطوعة.
خصائص موسيقى "لمحـــة"
تحمل موسيقى "لمحة" خواصا تجمع بين القديم والجديد في التأليف الموسيقي
من سمات القديم
- التقسيم الواضح إلى حركات أو خانات
- التسليم بمعنى العودة إلى المقدمة بين المقاطع
- تركيز المقام بسيادة مقام بعينه على العمل كله
- سرعة الإيقاع تشابه سرعة قالب اللونجا المعروف
- اختلاف إيقاع الحركة الأخيرة عن باقي المقطوعة وبالتحديد إلى إيقاع الدارج الثلاثي يذكرنا بتحول إيقاع السماعيات إلى الإيقاع الثلاثي في الحركة الأخيرة وإن اختلف في سرعته. (الدارج 4/3 ، بينما الفالس أو "السماعي الطائر" 8/3)
من سمات الجديد
- الإيقاع العام: إيقاع ثنائي سريع (4/2) ويسمى أيضا "فوكس" يشمل معظم أجزاء المقطوعة
- التعبير: يولد الإيقاع السريع المتواصل شعورا لدى السامع بأن الموسيقى "تكاد تطير" .. وهو ما يعبر عن عنوان المقطوعة "لمحة"، وهذه الخاصية لا توجد في الموسيقى التقليدية باعتبارها موسيقى مجردة.
- استخدام الجمل الحوارية بدلا من الجمل المرسلة، وقد أكثر المؤلف من هذه التراكيب في المقدمة وفي الحركات الثلاث بوضوح تام، وتتألف في كل فقرة من جملة ورد الجملة
- من مفارقات تبدل الإيقاع في الحركة الثالثة أنه يعكس اتجاه التبديل في السماعيات. يحدث هذا التبديل في السماعيات نقلة من الجو الشرقي إلى الجو الغربي باستخدام الفالس السريع، بينما في هذه المقطوعة يستعيد الإيقاع الثلاثي الروح الشرقية المتأنية بعد التحليق كثيرا بإيقاع فائق السرعة.
- القابلية للتوزيع الموسيقي: التسجيل الذي نستمع إليه هنا يختلف عن التسجيل الأصلي حيث تم تسجيلها وقت تقديمها بأداء فرقة موسيقية شرقية تقليدية من نوع "التخت"، لكنا نستمع في هذا التسجيل إلى موسيقى موزعة أضيفت إليها تراكيب هارمونية غير موجودة في النوتة الأصلية، خاصة في تيمة المقدمة التي تعود إليها الموسيقى بين الحركات وفي الختام. لا يمكن بسهولة تصور هذه الإمكانية في السماعيات أو أي من القوالب القديمة المعتمدة على تزامن الميلودي أو "النغم" مع إيقاع القالب كمادة أساسية ووسيلة تصور وخيال. وكان من الممكن إضافة توزيعات أكثر داخل الحركات الثلاث لولا أن الموزع ربما خشي تخفيف وقع اللحن إلى درجة قد تسمح بعدم التمييز بينه وبين التراكيب الإضافية في التوزيع. وقد نستطيع تتبع هذا الفارق أكثر إذا استمعنا إلى نسخة من المقطوعة معزوفة فقط على العود.
- تتحرر موسيقى "لمحة" من القوالب التقليدية القديمة كالسماعي واللونجا لكنها لا تفقد الخصائص العامة لتكوين القوالب الموسيقية، كوضوح المقام والصياغة المحكمة وتقديم نموذج يمكن استخدامه في موسيقات أخرى والبناء عليه، ولذلك تعتبر بحد ذاتها قالبا جديدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق